ما بالُ عينك منها الدَّمع مدرار
كأنما فيضُها في الخدّ أنهارُ
أو ماءُ حَنَّانةٍ وطفاءَ حلَّ بها
رعدٌ من الجانبِ الغربيّ مِهدارُ
أم من تذكر أحبابِ بهم شحطت
عنكَ العشَّية طِيَّاتٌ وأسفارُ
أم نَوحُ فاختهٍ تبكي أليفتَها
لهَا من النوحِ ترجيعٌ وتكَرارُ
أم هاج شوْقكَ من مكتومةٍ طللٌ
تكشَّفتْ منه آياتٌ وآثارُ
نعم هو الرَّبع أبكاني وحيرني
وفي المعاهد المُشتاق تذكارُ
معالم الحيَّ أبلى ثوبَ جدَّتها
بعد الأحبة أرواحٌ وأمطارُ
يبدو لعينك منها بعد ما مصَحتْ
نؤيٌ ومحتطَبٌ بالٍ وأحجارُ
سُفعٌ جنحن على هابٍ كما جنحت
على طلىً بازآءِ الحوضِ أظأرُ
إلى لوائح من أطلال أحْويةٍ
كأن أرسمها في الطّرس أسطارُ
جارتْ عليها يد الأيام فانقلبت
وللياليَ إقبالٌ وإدْبارُ
أوقفتُ فيها المطايا القُودَ أسألها
وما بها بعدَ بينِ الحيّ دَّيارُ
فاستعجمتْ عن جوابي لم تُطقْ خبراً
وأين منْ دمنٍ عُرين أخبارُ
لله أيامُنا ما كاَن أحسنهَا
فيها وللَّهو إيرادٌ وإصدارُ
أيَّامَ مكتومةٌ لمْ يثنها عَذَلٌ
عني ولمْ يغش صفو العيش أكدارُ
هيفاءُ عجزاُء مصقولٌ ترائُبها
بيضاُء ناهدةُ الثديينِ مِعطارُ
خَودٌ حَصانٌ رداَح لا يلمُّ بها
عابٌ يقال ولم يُعلقْ بها عارُ
رَّيا المخلخَل أمُلود يظلُّ لهَا
فوق الحشية خِلخالٌ ودينارِ
كأنما ثغرها وهَناً حَصى برد
قدْ علَّهَ بسُلاف الخمر خمّارُ
يا ُّأيها الرَّاكبُ المُزْجي مطيّته
بهِ تقاذَفُ أوعارٌ فأوعارُ
أبلغْ لديكَ ملوك الأرْض مألكةً
قدْ صاغها قائل بالصّدق فخّارُ
مُتوَّج من بني هُودٍ النّبي لَهُ
آباءُ صدقٍ أقاموا الملك أطهارُ
إني نذير لُكم مني مجاهرةً
ولا يلامُ فتى يهديهِ إنذارُ
لا بُدَّ أنْ أتركَ الأقيال ثَاويةً
صَرْعي لها جارحات الطير زوَّراُ
أين المفرُّ لكم من ضيغمٍ حكمت
في لَحِمكْم منه أنيابٌ وأظفارُ
إني أنا الدَّهرُ لكنْ ما انطويت على
غدرٍ وذا الدَّهر خواَّن وغدَّار
جالي الكوارث خمّادُ الهثاهثِ قطَ
اعُ الكثاكث نفّاع وضرَّارُ
جمُّ المواهب فَلأل الكتائب وهَّ
اب السَّلاهبِ بالمعروف أمَّارُ
حامي الحقيقة وفّاءُ أخو كَرمٍ
ضخمُ الدَّسيعةٍ في المَشتاةِ نحَّارُ
مهذبٌ طاهرُ الأثواب ذو شَرَفٍ
للظلم والعدلِ طواَّءٌ ونشَّار
كم قَوَّمت نعمتي من مائلٍ وصبٍ
كما تُقِّوم قِدحَ النّبعِة النار
حسبي من المالِ فضفاضٌ وسابحةٌ
وصارمٌ مُرهف الحدَّينِ بتار
وبيضةٌ مثل نجمِ الصُّبحِ لامعةٌ
وذابلٌ قعَضبيّ الصدرِ خطار
إني لمن مَعْشَرٍ ما مسهم جُبُن
يومَ اللقاءِ ولم يُهْضَم لهم جارُ
هُم هُم في العلى والمجدِ إرثهمُ
هاتي الممالكِ أمجادٌ وأخبارُ
مبرّؤونَ بَها ليلٌ ذوو كرمٍ
شُمُّ المعاطسِ لاخاموا ولا جاروا
في الجاهليِة سادوا العالمينَ فهم
لأحمدٍ ولدينِ اللهِ أنصارُ
ما زالَ ينحلُنا للمُلكِ من يمنٍ
وللمكارمِ جبَّار فجبارُ
فما لمفخرنا حدٌّ يصيرُ له
وكلُّ شيءٍ له حدٌّ ومقدارُ